||~ العلاقة بين النمو السكاني والموارد الطبيعية والبيئة ~||
إن العلاقة بين النمو السكاني وزيادة الطلب على الموارد الطبيعية، وبين البيئة، علاقة معقدة ومتشابكة جدا، وهذه العناصر (السكان والأنشطة البشرية والبيئة) تتفاعل معبعضها بطرائق وأشكال مختلفة في الزمان والمكان، فزيادة عدد السكان تؤثر في التنمية، ودرجة التنمية تؤثر في البيئة، ومستوى التنمية، ونوعية البيئة تؤثران في السكان.
وإذا كان تزايد عدد السكان لا يعني بالضرورة خفض مستوى المعيشة، أو التأثير السلبي في نوعية الحياة، أو إحداث تدهور وإخلال في البيئة فإن المشكلة الرئيسة لا تتمثل في تزايد أعداد السكان فقط، ولكنها تتمثل في اتساع الهوة في نمط الحياة بين الأغنياء والفقراء في العالم، فالغنى الفاحش والفقر المدقع كلاهما مسؤول عن تلوث البيئة وتدهورها، وإذا كان بالإمكان وقف الفقراء عند الحدود وتقييد حركتهم، فإن الفقر ينتقل على شكل مخدرات وأمراض وإرهاب.
وهذه الأيام وفي الكثير من بلدان العالم يوجد الملايين من البشر الذين يعانون من الجوع والفقر، وملايين آخرين يعيشون على حافة الفقر، وبلدانهم ليست في وضع يسمح لها بتأمين المتطلبات والحاجات الأولية لهم، مثل العمل والسكن، والاحتياجات الصحية والدوائية، وتمديدات المياه النظيفة، وشبكات الصرف الصحي، وخدمات الكهرباء والنقل والتعليم والبنية التحتية الأخرى.
كثيرا ما يرتبط تدهور البيئة بالزيادة الكبيرة في أعداد السكان، فالسكان عادة يتجمعون حيث تكون موارد الرزق ميسرة، والعكس صحيح، مما يؤدي إلى حدوث ضغط بيئي كبير، وخاصة عندما ترتبط الزيادة السكانية بالفقر في المناطق الريفية بشكل خاص، وتتمثل جذور هذه المشكلة في الازدحام الذي يزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض المعدية وغير المعدية، وفي عدم تمكن الفقراء من الحصول على موارد إنتاجية كافية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، لذلك يعمدون إلى تقطيع أشجار الغابات لاستخدامها وقودا، ويجتثون الأعشاب، وينهكون التربة الزراعية( ).
لقد كانت البيئة منذ القدم وحتى عهد قريب تلبي مطالب الإنسان وتشبع الكثير من حاجاته ورغباته، ولكن الوضع لم يبق كذلك، فقد أدى تزايد السكان بشكل متسارع إلى زيادة الطلب على موارد البيئة وزيادة الضغط عليها بما يتجاوز طاقتها وقدرتها على التجدد، وتقديم الموارد المطلوبة منها.
إن العلاقة بين الزيادة الكبيرة في عدد السكان وبين نضوب الموارد الطبيعية وتدهورها علاقة متشابكة ومتعددة الجوانب، والحقيقة المهمة في هذا الصدد أن بني البشر يستخدمون من المصادر المتاحة، ويطرحون من النفايات بمعدلات لا يمكن لهذا الكوكب أن يتحملها، والشكل (14) يوضح العلاقة المتبادلة بين السكان والموارد الطبيعية والبيئة.
وإذا ما استمر تصاعد عدد البشر والاستهلاك فإن هناك فرصة قوية في ألا يتوافر أمل للمخلوقات الأخرى التي نتشارك معها الأرض، إضافة إلى الاحتمال الكبير في أن يتعرض بنو البشر أنفسهم إلى كارثة( ).
أصبح من المعروف أن تزايد عدد السكان بشكل كبير يشكل ضغطاً كبيراً على النظام البيئي، ويؤدي إلى زيادة استنزاف الموارد الطبيعية المتاحة، وتهديد التوازن البيئي بالخلل والتدهور، ولذلك فقد أولى الكثير من العلماء والساسة والمربين والتنظيمات الرسمية والشعبية وقطاعات اجتماعية عريضة اهتماماً كبيراً بالمسألة السكانية، لأن زيادة عدد سكان العالم بهذا الشكل لا يمكن أن يتم من دون أن يترتب عليها تغيرات بيئية معينة، وتأثيرات سلبية على صحة الإنسان.
ومن الجدير بالملاحظة أن الحواجز بيننا، وبين الأوبئة ليست قوية جداً، كما هو الاعتقاد السائد، ولم يعد التحكم بنواقل المرض أكثر صعوبة فحسب، ولكن من المحتمل أن سكان المدن أصبحوا أقل مقاومة للأوبئة، بسبب معدلات التلوث المرتفعة( ).
ليس هذا فحسب بل إن البشرية تشهد أنواعاً جديدة من الأمراض والأوبئة المختلفة الأسباب والمصادر، مثل جنون البقر، وإنفلونزا الطيور، وفيروس الكبد الوبائي وغيره.
والسؤال المطروح في هذا المجال هو هل توجد إمكانية لتلبية حاجات ومتطلبات الأعداد المتزايدة من السكان وتأمينها؟ وإلى متى؟ وبشكل لا يؤثر في البيئة أو في قدرة الأجيال المقبلة في تأمين هذه الحاجات والمتطلبات؟
إن الإجابة عن هذا السؤال على درجة كبيرة من الأهمية، لأنه من جهة يهتم بالإنسان الذي يعد أهم عنصر في البيئة، ومن جهة أخرى يهتم بالبيئة، باعتبارها الموئل والمكان الذي يعيش فيه الإنسان ويستمد منه مقومات وجوده وسبل استمرار حياته.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الإنسان ليس رقماً فحسب ولكنه ثروة أيضاً، وذلك عندما يتم إعداده وتنشئته بشكل صحيح وكل مولود جديد ليس فمّا إضافيّا فقط، ولكنه أيضا يدُ جديدة وعقل جديد، ويمكن الاستفادة منه في دعم عملية التطور والتنمية. والنمو السكاني بحد ذاته قد لا يشكل مشكلة، ولكن المشكلة تتضح في إطار الحركة الاقتصادية للمجتمع والظروف المحيطة به، والمسألة المهمة هي كيف يتم تحقيق التوازن بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي من دون تدمير البيئة.
وهكذا أكون قد أنهيت موضوعي الذي أتمنى أن ينال إعجابكم
مع تحياتي الخالصة